إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
54240 مشاهدة
وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة

[ بل هم الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم ] .


(الشرح) قوله: (بل هم الوسط في فِرَقِ الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم):
الوسط هو: الخيار؛ يعني هم الخيار في فرق هذه الأمة، والأمة هي الخيار في الأمم كلها وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [ البقرة: 143 ] يعني خيارا، أي جعل الله هذه الأمة خيار الأم وأفضلها.
لكن المراد بالأمة هنا أمة الإجابة، فأمة النبي صلى الله عليه وسلم قسمان: أمة دعوة وأمة إجابة:
فالذين لم يتبعوا الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أطاعوه هؤلاء من أمته، أمة الدعوة.
والذين صدَّقوه واتبعوه وأطاعوه واتبعوا أثره وامتثلوا ما جاء به فإن هؤلاء أمة الإجابة، وهم المرادون في الآية: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا يعني خيارا.
فإذا كانت هذه الأمة وسطا في الأمم السابقة، فإن أمة الإجابة الذين يشهدون أن محمدا رسول الله ويقرءون القرآن، ويصدقون بأنه من الله، فإن هؤلاء أيضا فرق، وكل منهم يدعي بأنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فالجهمية يدعون أنهم من أمة محمد ويقولون: هو رسول الله، ويقولون: نحن نقبل شريعته ونحكم بها، ونصلي ونصوم ونعمل للآخرة ونصدق بالبعث، وكذلك المشبهة الذين يشبهون صفات الله بصفات خلقه، وكذلك المعتزلة، وكذلك الحرورية الذين هم الخوارج، وكذلك الجبرية، وكذلك الوعيدية، وكذلك الرافضة، الكل يدعون أنهم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن أتباعه حقا هم أهل السنة والجماعة، هم الذين عملوا بالعقيدة السليمة، فهم وسط في فرق هذه الأمة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن أمته ستفترق إلى ثنتين أو ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة وهي أهل السنة والجماعة، وهم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هؤلاء هم الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة فهم الوسط في فرق الأمة.